responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 127
الرَّاءِ، وَإِسْكَانُهَا وَفَتْحُهَا. الثَّانِي: قَالَ صَاحِبُ/ «الْكَشَّافِ» : قُرُبَاتٌ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِيَتَّخِذَ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَا يُنْفِقُهُ لِسَبَبِ حُصُولِ الْقُرُبَاتِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ، لِأَنَّ الرَّسُولَ كَانَ يَدْعُو لِلْمُتَصَدِّقِينَ بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَيَسْتَغْفِرُ لَهُمْ.
كَقَوْلِهِ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى»
وَقَالَ تَعَالَى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا كَانَ مَا يُنْفَقُ سَبَبًا لِحُصُولِ الْقُرُبَاتِ وَالصَّلَوَاتِ، قِيلَ: إِنَّهُ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ وَصَلَوَاتٍ. وَقَالَ تَعَالَى: أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ وَهَذَا شَهَادَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمُتَصَدِّقِ بِصِحَّةِ مَا اعْتَقَدَ مِنْ كَوْنِ نَفَقَتِهِ قُرُبَاتٍ وَصَلَوَاتٍ، وَقَدْ أَكَّدَ تَعَالَى هَذِهِ الشَّهَادَةَ بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ، وهو قوله: أَلا وبحرف التحقيق، وهو قوله: إِنَّها ثُمَّ زَادَ فِي التَّأْكِيدِ، فَقَالَ: سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ إِدْخَالَ هَذَا السِّينِ يُوجِبُ مَزِيدَ التَّأْكِيدِ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لِسَيِّئَاتِهِمْ رَحِيمٌ بِهِمْ حَيْثُ وَفَّقَهُمْ لِهَذِهِ الطَّاعَاتِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وَهُوَ الْأَصْلُ، ثُمَّ خُفِّفَتْ نَحْوَ:
كُتْبٍ، وَرُسْلٍ، وَطُنْبٍ، وَالْأَصْلُ هُوَ الضَّمُّ، والإسكان تخفيف.

[سورة التوبة (9) : آية 100]
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ فَضَائِلَ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ مَا يُنْفِقُونَ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ، وَمَا أَعَدَّ لَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ، بَيَّنَ أَنَّ فَوْقَ مَنْزِلَتِهِمْ مَنَازِلَ أَعْلَى وَأَعْظَمَ مِنْهَا، وَهِيَ مَنَازِلُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ. وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اخْتَلَفُوا فِي السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَنْ هُمْ؟ وَذَكَرُوا وُجُوهًا: الْأَوَّلُ:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هُمُ الَّذِينَ صَلَّوْا إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ وَشَهِدُوا بَدْرًا وَعَنِ الشَّعْبِيِّ هُمُ الَّذِينَ بَايَعُوا بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ. وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُمُ السَّابِقُونَ فِي الْهِجْرَةِ، وَفِي النُّصْرَةِ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ ذَكَرَ كَوْنَهُمْ سَابِقِينَ وَلَمْ يُبَيِّنْ أنهم سابقون فيما ذا فَبَقِيَ اللَّفْظُ مُجْمَلًا إِلَّا أَنَّهُ وَصَفَهُمْ بِكَوْنِهِمْ مُهَاجِرِينَ وَأَنْصَارًا، فَوَجَبَ صَرْفُ ذَلِكَ اللَّفْظِ إِلَى مَا بِهِ صَارُوا مُهَاجِرِينَ وَأَنْصَارًا وَهُوَ الْهِجْرَةُ وَالنُّصْرَةُ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ فِي الْهِجْرَةِ وَالنُّصْرَةِ/ إِزَالَةً لِلْإِجْمَالِ عَنِ اللَّفْظِ، وَأَيْضًا فَالسَّبْقُ إِلَى الْهِجْرَةِ طَاعَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْهِجْرَةَ فِعْلٌ شَاقٌّ عَلَى النَّفْسِ، وَمُخَالِفٌ لِلطَّبْعِ، فَمَنْ أَقْدَمَ عَلَيْهِ أَوَّلًا صار قدوة لغيره من هَذِهِ الطَّاعَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ مُقَوِّيًا لِقَلْبِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَسَبَبًا لِزَوَالِ الْوَحْشَةِ عَنْ خَاطِرِهِ، وَكَذَلِكَ السَّبْقُ فِي النُّصْرَةِ، فَإِنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَلَا شَكَّ أَنَّ الَّذِينَ سَبَقُوا إِلَى النُّصْرَةِ وَالْخِدْمَةِ، فَازُوا بِمَنْصِبٍ عَظِيمٍ، فَلِهَذِهِ الْوُجُوهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ فِي الْهِجْرَةِ.
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّ أَسْبَقَ النَّاسِ إِلَى الْهِجْرَةِ هُوَ أَبُو بَكْرٍ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي خِدْمَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَكَانَ مُصَاحِبًا لَهُ فِي كُلِّ مَسْكَنٍ وَمَوْضِعٍ، فَكَانَ نَصِيبُهُ مِنْ هَذَا الْمَنْصِبِ أَعْلَى مِنْ نَصِيبِ غَيْرِهِ، وَعَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ إِلَّا أَنَّهُ إِنَّمَا هَاجَرَ بَعْدَ هِجْرَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إِنَّمَا بَقِيَ بِمَكَّةَ لِمُهِمَّاتِ الرَّسُولِ إِلَّا أَنَّ السَّبْقَ إِلَى الْهِجْرَةِ إِنَّمَا حَصَلَ لِأَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ نَصِيبُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ أَوْفَرَ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا صَارَ أَبُو بَكْرٍ مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَرَضِيَ هُوَ عَنِ اللَّهِ، وَذَلِكَ فِي أَعْلَى الدَّرَجَاتِ مِنَ الْفَضْلِ.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 16  صفحة : 127
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست